هل يمكن تكرار النجاحات؟

كلَّما كان النجاح أكبر كان من الصعب تحديد أهم الإسهامات التي أدت إلى تحقيقه، وغالباً ما تركز محاولات تكرار النجاح على العوامل الخاطئة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "ديف نيميتز" (Dave Nemetz)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في محاولة إنشاء مجلة "إنفرس" (Inverse) بعد النجاح الذي حققته مجلته الأولى "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report).

أعرف مفارقة النجاح جيداً بعد أن وقعت فريسة لتأثيراتها، فبعد إنشاء مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) وتحقيقها نتائج إيجابية جداً قررت تكرار المحاولة، فقد كان لدي دليل لإنشاء شركة وسائط رقمية تفاعلية ومربحة، ومع الحكمة الإضافية التي تمتعت بها بفضل التقدم في العمر والخبرة اعتقدت أنَّني أستطيع تجنب الأخطاء التي ارتكبتها مع مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) ويمكنني تجنب الهدر وتحقيق نتيجة أفضل؛ ولكنَّني كنت مخطئاً جداً.

في عام 2015 أطلقت مجلة "إنفرس" (Inverse) بثقة كاملة؛ إذ تضمن فريقي المؤسس عدداً قليلاً من المهندسين اللامعين من أيام مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) جنباً إلى جنب مع مجموعة من المحررين الشباب المبدعين وبعض أفضل المستثمرين في الوسائط الرقمية الذين وافقوا بحماسة على رؤيتي؛ إذ قررت أن أتَّبع مع مجلة "إنفرس" (Inverse) الخطة نفسها التي أدت إلى نجاح مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report)، واعتقدت بالتأكيد أنَّه سيتلو ذلك نجاحاً يضاهيها.

كانت مجلة "إنفرس" (Inverse) بعد خمس سنوات مشابهة لمجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) وتتفوق عليها في مستويات عديدة إبداعياً وصحفياً؛ إذ أنشأنا لها أنظمة إدارة محتوى وأدوات تحرير أفضل من تلك التي تتمتع بها مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) مع فريق هندسي أصغر بكثير، وقد اتبع جمهور مجلة "إنفرس" (Inverse) مساراً مشابهاً لجمهور مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) في بيئة نمو تنافسية أكثر.

لكنَّ نجاح مجلة "إنفرس" (Inverse) لم يضاهِ النجاح التجاري لمجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) ولا حتى اقترب منه، والسؤال هو: لماذا؟ فقد اتبعنا الخطوات نفسها التي اتبعناها مع مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) وركزنا على العناصر الأهم، فما هو الخطأ الذي ارتكبناه؟ الجواب هو أنَّنا ركزنا على الأشياء الخاطئة، وتغاضينا عن بعض العوامل المبهمة؛ أي الجواب وببساطة مفارقة النجاح.

خذ الإعلانات البرمجية على سبيل المثال، يكرهها الناشرون والمهندسون والمستخدمون جميعهم؛ لأنَّها منخفضة الجودة وتبطئ أوقات تحميل الموقع وتضر تجربة المستخدم، وكلُّ هذا مقابل ربح أقل بكثير من الإعلانات المباشرة.

لذا لا عجب أنَّني تجنبتها تماماً عندما أطلقت مجلة "إنفرس" (Inverse)، فقد كانت هذه الفئة من الإعلانات مسؤولة عن جزء صغير فقط من أرباح مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) بينما كان السبب الحقيقي لنمو الإيرادات هو جهدنا في المبيعات المباشرة، ومن خلال الابتعاد عن الإعلانات البرمجية أعطيت الأولوية للمستخدمين وركزت جهود فريقي على إنشاء بيئة مثالية لإعلانات البيع المباشرة.

لكن فاتتني الصورة الأكبر عندما قررت ذلك؛ ففي السنوات الأولى قبل أن يكون لدى مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) فريق مبيعات مباشر، كانت الإعلانات البرمجية أساساً هاماً للإيرادات، ومع نمو إيرادات مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) المباشرة إلى مئات ملايين الدولارات سنوياً، نمت الإعلانات البرمجية أيضاً؛ ولكنَّها أصبحت تشكل جزءاً أصغر من الإيرادات الكلية؛ ولكنَّ الإيرادات التي أنتجتها الإعلانات البرمجية في سنة الاستحواذ لدينا، عادلت هامش ربحنا، ودونها كانت مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) ستستمر في خسارة المال وربما ما كان ليحدث الاستحواذ.

إضافة إلى ذلك، في السنوات الفاصلة بين بيع مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) وإطلاق مجلة "إنفرس" (Inverse) أصبحت البرمجة الآلية أهم بالنسبة إلى الناشرين الجدد؛ إذ كانت معظم العلامات التجارية التي استهدفناها في مجلة "إنفرس" (Inverse) تخصص مزيداً من ميزانيات إعلاناتهم إلى الإعلانات البرمجية، ولهذا لم يكن هناك فرص لعقد صفقات الإعلانات المباشرة الأصغر حجماً والتي تتراوح بين 50- 75 ألف دولار والتي أدت إلى استمرار مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) في الأيام الأولى بدلاً من ذلك أنفق المعلنون تلك الدولارات على الإعلانات البرمجية.

لذا حين تخليت عن الأرباح المحتملة من الإعلانات البرمجية وأنشأت بدلاً من ذلك فريق مبيعات مباشر يقدم محتوى علامة تجارية، خسرت تلك الاستثمارات، فكان موظفو المبيعات يحصلون على رواتب عالية خلال عملية بيع تستغرق ستة أشهر أو أكثر، وبمجرد أن نصل إلى الخطوة الأخيرة لعقد الصفقات تتلاشى هوامش الأرباح بسبب تكاليف الإنتاج والتوزيع بصفتها ناشرة صغيرة ناشئة.

وجدت مجلة "إنفرس" (Inverse) صعوبة في منافسة شركات الوسائط الرقمية الأكبر حجماً والممولة جيداً والتي تقدم المنتجات نفسها على نطاق أوسع.

رضخت في النهاية وسمحت بالإعلانات البرمجية على مجلة "إنفرس" (Inverse)، ولكن بحلول ذلك الوقت كنت قد خسرت عائداتنا المبكرة، وانخفضت مدة الوقت المتاح قبل نفاد سيولتنا، ممَّا زاد الضغط على المبيعات المباشرة، وفي حين أنَّه لم يقتل هذا القرار فرصنا؛ ولكنَّه أوصلنا إلى وضع يصعب التعافي منه، خاصة مع الفوضى وعدم اليقين من حولنا.

شاهد: 7 قواعد ذهبية تمهد طريق النجاح

أهمية التراجع عن القرارات الخاطئة:

قرار آخر مبكر اتخذته ما أزال أندم عليه حتى يومنا هذا؛ إذ عبَّرت بصراحة عن رأيي بأنَّ الشركات الإعلامية يجب أن تفكر بالتعامل مباشرة مع المستهلك، وتعلَّمت هذا الدرس في مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) عندما رُبطت نشراتنا الإخبارية بتطبيق الهاتف المحمول والاحتفاظ بالجمهور والنمو المستدام.

بحلول الوقت الذي أسست فيه مجلة "إنفرس" (Inverse) في عام 2015، كان عصر النشر على مواقع التواصل الاجتماعي في ذروته، حتى مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) كانت قد انتقلت إلى استراتيجية تركز على مواقع التواصل الاجتماعي.

يعتقد ناس كثيرون خطأً أنَّ مجلة "بليتشر ريبورت" (Bleacher Report) وُجدت على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ولكنَّ الواقع هو أنَّ التواصل الاجتماعي كان ما يزال حتى بيعنا لشركة "ترنر" (Turner) في عام 2012 جزءاً غير أكيد من استراتيجيتنا، وبعد أن أصبح لدينا فقط قاعدة ضخمة من جمهور متفاعل وسَّعت المجلة عملياتها لتشمل الشبكات الاجتماعية.

في السنوات التي أعقبت الاستحواذ ازدادت ازدياداً هائلاً شعبية المجلات على الشبكات الاجتماعية، وبداية مع الشعبية الكبيرة لمجلة "بزفيد" (Buzzfeed) على موقع "فيسبوك" (Facebook) ثم مجلة "أبوورثي" (Upworthy) التي أتقنت كتابة عناوين مقالات جذابة جداً حتى لو لم يكن المحتوى متناسباً معها، وشاهدت بنفسي كيف ازداد جمهور شركة نصحتها اسمها "إليت ديلي" (Elite Daily) من بضعة ملايين شهرياً إلى أكثر من أربعين مليون زائراً فريداً بين عشية وضحاها تقريباً.

نمونا نموَّاً لا يُصدَّق في المجال، ولكن حتى في ذلك الوقت اعتقدت أنا وأصدقائي في مجال النشر بأنَّها مرحلة ستنتهي وستتوقف معها الزيارات التي كانت تجذبها الشبكات الاجتماعي؛ ولكنَّنا كنا جميعاً متفقين على أنَّه كان من الأفضل الاستفادة إلى أقصى حدٍّ منها طالما هي متاحة.

أدرك الآن أنَّني اتخذت قراراً خاطئاً فيما يتعلق بالشبكات الاجتماعية في مجلة "إنفرس" (Inverse)؛ لأنَّني كنت أعرف أنَّ معظم هذه الزيارات التي تولدها غير مستدامة، ومع ذلك أقنعت نفسي بالاستثمار في هذا القسم، ولهذا أمضينا وقتاً كبيراً وأنفقنا كثيراً من الموارد في الأيام الأولى مركزين على تكوين قاعدة من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي.

إقرأ أيضاً: 5 معتقدات عن النجاح تمنعك من بلوغه

كان ينبغي بدلاً من ذلك أن أركز أكثر على بناء علاقة مباشرة مع جمهورنا عبر الرسائل الإخبارية، وفي حين أنَّنا أطلقنا بالفعل رسالة إخبارية تطورت لتصبح منتجاً حائزاً على جوائز، إلا أنَّ هذه الجهود استغرقت وقتاً طويلاً لتثمر؛ لأنَّها تنافست على الموارد مع استراتيجيتنا الاجتماعية.

سمحت لنجاحي السابق مرة أخرى بأن يعمي بصيرتي، وحين انتهت موجة الزيارات من وسائل التواصل الاجتماعي كما كنا نعلم جميعاً أنَّه سيحصل، لم تكن استراتيجية مجلة "إنفرس" (Inverse) للبريد الإلكتروني متقدمة بقدر ما كان ينبغي أن تكون، والذي كان خطأً فادحاً آخر.

إقرأ أيضاً: 15 نصيحة تساعدك في تحقيق النجاح في أي مجال

في الختام:

توضح هذه الأمثلة بعض القرارات الرئيسة التي تأثرت في مفارقة النجاح، ومع ذلك هي بداية التحليل فقط لتجربة مجلة "إنفرس" (Inverse)، والخطوة الأولى لتجنب مفارقة النجاح هي إدراك وجودها والخطوة التالية والأكثر أهمية هي تطوير استراتيجيات للتغلب عليها.




مقالات مرتبطة